السبت، 10 أكتوبر 2015


 ضياع الضاد في ( لغة الضاد      (

.
بسم الله الرحمن الرحيم

اشتهر على ألسنة المثقفين ( لغة الضاد ) كناية عن اللغة العربية ، و لهذا يقول المتنبي :

وَ بِهمْ فَخْرُ كُلِّ مَنْ نَطَقَ الضَّاد = دَ وَعَوْذُ الجاني و غَوْثُ الطَّريدِ

قال ابن جني في سر الصناعة [ 1 / 214 ] : 
" و اعلم أنّ الضّاد للعرب خاصّة ، و لا توجد في كلام العجم إلا في القليل "

و لم يتيقن ذلك ابن فارس ، فقال في الصّاحبي [ 7 ] : 
" و زعم ناسٌ أنّ الضّاد مقصور على العرب من دون سائر الأمم " ، و مع ما في قوله من تمريض إلا إنّ ذلك يدلّ على شيوعه في عصره .

و يقول المستشرق ( برجستراسر) : 
" فالضّاد العتيقة حرفٌ غريب جدّا غير موجود على حسب ما أعرف في لغة من اللغات إلا العربية " .

و قد جاء ضياعها من ناحيتين :
1 _ عدم النطق بها على وجهها الذي وصفه بها المتقدمون كسيبويه ، و ابن جني ، و قد و صف ابن الجزري صعوبته في النطق فقال في كتابه النشر [1 / 219 ] : 
" و الضاد قد انفرد بالاستطالة ، و ليس في الحروف ما يعسر على اللسان مثله ، فإنَّ ألسنة الناس فيه مختلفة ، و قلّ من يحسنه ، فمنهم من يخرجه ظاء ، و منهم من يمزجه بالذال ، و منهم من يجعله لاما مفخّمة ، و منهم من يُشمُّه الزاي " .

و نقل عن الأصمعي ـ و هو من هو في الحفظ و الرواية ـ قوله :
" تتبعت لغات العرب فلم أجد فيها أشكل من الفرق بين الضّاد و الظاء " .

و يزداد الأمر خطرا حينما ينتقل اللبس بينهما في قراءة القرآن على أنَّ في هذه القضية عند القراء خلافا عريضا أتركه لأهل الاختصاص في هذا الفن

2 ـ الخلط بينه و بين الظاء في الكتابة ، و هو ما يعنيني ههنا
يقول الصاحب بن عباد في كتابه الفرق بين الضاد ، و الظاء[ 3 ] : 
" إذ كانا حرفين قد اعتاص معرفتهما على عامّة الكتاب ؛ لتقارب أجناسهما في المسامع ، و أشكال أصل تأسيس كلّ واحد منهما ، و التباس حقيقة كتابتهما

و من العجيب أن يقول ابن مكي الصقلي المتوفى سنة 501هـ في كتابه تثقيف اللسان [ 91 ] : 
" فأما العامّة وأكثر الخاصة فلا يفرقون بينهما في كتاب ولا قرآن " . 
مع أنهما صوتان في الأصل قبل انحراف النطق بهما متمايزان ، يفرق بهما بين المعاني ، و من ذلك

الحضّ : الحثّ ، و الحظّ : البخت و الجَدّ .
أضلّه : أغواه ، و أظلّه : ستره .
حضر : جاء ، و حظر: منع .
الضنُّ : البخل ، و الظنّ خلاف اليقين .
الفضُّ : الكسر ، و الفظّ : الغليظ القلب .
الناضر : الحَسَن ، و الناظر : المتأمل الشيء بالعين
و منه قوله تعالى : { وجوهٌ يومئذٍ ناضرة * إلى ربّها ناظرة }.
النضير : البهيج ، و النظير : المثيل

و عند النظر إلى أحد المعاجم نجد أنّ بناء الألفاظ من الضاد أكثر من بنائها من الظاء ، و لهذا يقول الحريري في إحدى مقاماته :

أيُّها السائلي عن الضَّاد ، و الضاد = ءِ لكيــلا تَضــــــلُّـهُ الألفـــــــاظُ
إنّ حفظَ الظاءاتِ يُغنيكَ فاسمعــ = ها استماعَ امرئٍ لهُ استيقاظُ


كتبه الدكتور / عبد الله اللحياني
أستاذًا مساعدًا بجامعة أم القرى ، كليـة اللغـة العربية و آدابها ، قسم اللغة و النحو و الصرف .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق